4 Mar 2021
في إطار مساهمة مسلمي روسيا الإتحادية في تعزيز الأخوّة الإنسانية والحوارالديني، ونشر ثقافة اللقاء، والمشاركة في عملية الحوار العالمي والتعاون بين الإسلام والمسيحية بما يحقق الخير للجميع. أقيم في صالة المركز الثقافي "بوكروفسكي فوروتا" بالعاصمة الروسية موسكو يوم أمس، حفل تقديم الكتاب الذي أصدره المنتدى الإسلامي العالمي بالتعاون مع دار "المدينة" للنشر، والذي يحتوي على أول ترجمة للرسالة العامة التاريخية التي أطلقها قداسة البابا فرنسيس رئيس الكنيسة الرومانية الكاثوليكية بعنوان "فراتيللي توتي"،"جميعنا إخوة"، إلى اللغة الروسية
ويتزامن انجاز ترجمة ونشر هذه الوثيقة التاريخية التي تدعو إلى تكريس الأخوّة الإنسانية والصداقة الإجتماعية مع الإحتفالات العالمية بيوم الأخوة الإنسانية الذي أعلنت عنه الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الرابع من فبراير يوماً عالمياً للأخوة الإنسانية، تخليداً للقاء التاريخي الذي جمع كل من فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهرالشريف، وقداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، والذي شهد توقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية والسلام العالمي والعيش المشترك" في أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات العربية، يوم الرابع من فبرايرعام 2019م
وقد قام بإدارة هذه الجلسة العلمية كل من: السيد جان فرانسوا تيري، مدير المركز الثقافي "بوكروفسكي فوروتا" في العاصمة الروسية موسكو، والأستاذ الدكتور ضمير محي الدينوف، النائب الأول لرئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الإتحادية، السكرتير التنفيذي للمنتدى الإسلامي العالمي، ورئيس تحرير دار "المدينة" للنشر
في كلمته، تلا السفير الرسولي للفاتيكان في الإتحاد الروسي، المونسنيور جيوفاني دانييلو، رسالة قداسة البابا فرانسيس إلى المشاركين في هذا اللقاء. حيث أشار رئيس الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في رسالته إلى أن التأملات والحوار حول هذه الرسالة العامة يمكن أن يساعد ليس فقط في الإتحاد الروسي، الذي يُدعَى فيه إلى تطوير الحوار بين المسيحيين والمسلمين، ولكن أيضاً في المجتمع البشري ككل. وشدّد على "أن المقارنة الصريحة والصادقة للأفكار مع مواضيع الرسالة العامة للأخوّة يمكن أن تسهل الحوار بين الأديان"
بدوره، قدم السفير الرسولي للفاتيكان لدى روسيا الاتحادية، الشكر لسماحة المفتي الشيخ راوي عين الدين على دعوته للمشاركة في هذا الحدث الهام، وتابع قائلاً: "إن الإنفتاح التام سيسمح لنا بفهم وتقدير الآخر، لأن الحب الحقيقي النابع من إلهام الله، لا يمكن إلاَّ أن يخلق في قلوبنا جميعاً الرغبة في أن نساعد بعضنا البعض، بغض النظر عن الإختلافات التي يمكن أن ننظر إليها بشكل مختلف، والتي، يتوجب أن تكون عناصر تثرينا وتغنينا بدلاً من أن تشكل عائقاً أمامنا"
وشدّد السفير الرسولي على إمكانية فهم "روح الأخوّة" على أنها تَطَلّع الإنسان إلى تحويل نظره باتجاه الله، حتى يتمكن فيما بعد من مشاركة "الإخوة" من حوله، بعملية الإثراء من خلال أعمالٍ ملموسة، وحث السفير الرسولي على "الحلم" كأسرة بشرية واحدة، كأعضاء في جسد واحد، كأبناء لأرض واحدة، والتي هي بيتنا المشترك". واختتم حديثه قائلاً: "دعونا نحلم، بحيث يقدم كل منا لهذا الحلم ثروة إيمانه ومعتقداته الخاصة، بحيث يتحدث كل شخص بصوته، فنحن جميعاً إخوة وأخوات"
وفي كلمته، التي قرأها بالنيابة ايلدار علاء الدينوف مفتي مدينة موسكو، نائب رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية، أعرب سماحة المفتي الشيخ راوي عين الدين عن شكره وامتنانه لقداسة البابا فرانسيس: الأخ الزعيم الروحي للكاثوليك في العالم ورئيس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس. أنا ممتن لكم، أولاً وقبل كل شيء، لهذا العمل العظيم والضروري والملهم للبشرية، وهو الرسالة العامة "فراتيلي توتي" ، "جميعنا أخوة" حول الأخوّة الإنسانية والصداقة الإجتماعية. إن يد الصداقة والسلام التي مدها قداسة البابا فرنسيس تجاه العالم الإسلامي عام 2019 م في شبه الجزيرة العربية تحظى بامتنانا واحترامنا، نحن مسلمو الفضاء الأوراسي. حيث لا يوجد شيء أكثر نبلاً من البحث عن التواصل والحوار والسخاء، على طريق تحقيق السلام والوئام لشعوبنا. ونحن نتقبل بادرة حسن النية الفريدة في التاريخ هذه، ونعلن استعدادنا للعمل يداً بيد مع إخوتنا المسيحيين لتحقيق السلام والعدالة"
وبحسب الزعيم الروحي لمسلمي روسيا، فإن العديد من الأفكار والتجارب التي طرحها قداسة البابا في الرسالة المنشورة يتردد صداها في نفوس المسلمين، فتلهمهم التفكير والتحليل. "لقد تأثرنا كثيراً، ونحن نقدر تقديراً عالياً الرسالة التي وجهها شقيقنا الموقر فرانسيس إلى المشاركين في لقائنا هذا، والمشفوعة بتمنياته الطيبة. إنه محق تماماً في حقيقة أن الهدف المنشود من لقاء الأخوّة اليوم هو المنفعة المتوخاة في الحياة العامة، وكذلك رفع الحالة المعنوية والروحية على المستوى الفردي"
كما ألقى السيد فاليري غازاييف رئيس لجنة القوميات في مجلس الدوما (البرلمان الروسي)، كلمةً قال فيها: اليوم، نحن ملزمون جميعاً، أكثر من أي وقت مضى، بالحفاظ على السلام والوئام بين الأعراق وتعزيزهما، وتعزيز الانسجام في العلاقات بين الأعراق والأديان، وتعزيز الحوار البناء بين ممثلي مختلف الجماعات العرقية والثقافات."، مضيفاً، أن الرسالة العامة هي نص موجه للبشرية جمعاء. وترجمة "هذه الوثيقة" رسالة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية إلى اللغة الروسية، هي خطوة مهمة نحو الحوار بين الأديان
واختتم رئيس لجنة القوميات في مجلس الدوما كلمته بقوله: "أنا متأكد من أنه من الضروري اليوم، أكثر من أي وقت مضى، الحفاظ على السلام بين الأديان. أما بالنسبة للمنظمات الدينية، فأمامها مجال واسع للنشاط في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والروحية للمجتمع المدني، وكذلك من أجل التعاون في مختلف الإتجاهات".
بدروه، شكر أدولف شايفيتش الحاخام الأكبر لروسيا (مؤتمر المنظمات والجمعيات الدينية اليهودية في روسيا) سماحة المفتي الشيخ راوي عين الدين، على مبادرته لنشر رسالة قداسة البابا باللغة الروسية، وثمن عالياً أهمية هذا العمل في نشر مشاعر الأخوّة والمحبة بين أتباع جميع الأديان الإبراهيمية
ووفقاً للحاخام الأكبر في روسيا (اتحاد الجاليات اليهودية في روسيا)، آرون جورفيتش، فإن نشر ترجمة الرسالة العامة لقداسة البابا إلى اللغة الروسية أثار النقاش، ودفع إلى فهم أسباب ما يوحدنا في كلا المجالين الإجتماعي والديني (اللاهوتي)"الرسالة العامة تشكل برنامج عمل، حيث أنها تتطرق إلى المجال الإجتماعي. التوحيد يدمر آلهة السوق والسياسة. وهذا ينطبق على جميع الطوائف، بما في ذلك الديانات الإبراهيمية، ويجعلنا نفكر بالمكان الذي نشغله في هذا العالم المتغير بسرعة كبيرة. ونقلاً عن الملك داؤود، الذي قال في المزمور 78، أنه عندما يصلي الإنسان، فإنه يُحرّف كلام الله بفمه، ولسانه يكذب، وقلبه ليس معه. هذه الكلمات عن الصلوات غير المخلصة، وحول ما لا يجب أن تكون عليه الصلاة. ولكن حتى لو كان التوجه إلى الله على هذا النحو، فماذا نقول عما يحدث في المجتمع؟ لقد اعتاد الناس على الكذب والتحدث بالكلمات العامة والشائعة. يقول شيئاً، بينما هو يفكر في شيء آخر. لذلك فإن الرسالة العامة "فراتيللي توتي" هي دعوة لأن نكون صادقين مع أنفسنا، وصادقين في صلواتنا، وصادقين فيما يتعلق بالمجتمعات والشعوب التي نتفاعل معها. وهذا مهم لفهم القوى التي نمتلكها اليوم من أجل مقاومة العوامل المدمرة التي تم تحديدها، بما في ذلك كوفيد 19
لقد تبين لنا في غمضة عين أن "الحصن" الإجتماعي والسياسي ليس حصناً، بل ضعفاً. واتضح أن الجميع يعمل لنفسه. وأنه من الضروري مرةً أخرى البحث عن الأخوّة، والبحث عن الأشخاص ذوي التفكير المماثل، أولئك الذين يمكننا أن نواجه معهم التحديات المعاصرة"
ثم تلى الحاخام آرون جورفيتش كلمة رئيس اتحاد الجاليات اليهودية في روسيا ألكسندر مويسيفيتش بورودا، الذي أشار إلى أن نشر الأعمال والكتب والدراسات لمختلف القادة الدينيين يهدف في المقام الأول إلى المساعدة على إشاعة الوئام في العلاقات بين ممثلي مختلف الأديان، وتعززعلاقات حسن الجوار واحترامنا لبعضنا البعض. وأضاف:"العلاقات بين الأديان في روسيا اليوم على مستوى عالٍ، ويمكننا القول أنها بحق مصدر فخر لمجتمعنا. ونحن نقيم حواراً مبنياً على المبادئ الأخلاقية التي توحدنا جميعاً، وعلى احترام التنوع الفريد للتراث الروحي والثقافي لبلدنا. ونشر هذا الكتاب هو دليل على إنفتاح المنظمات الدينية المركزية ونشاطها التوعوي الذي تقوم به، الأمر الذي يساهم بالتأكيد ليس فقط في الحفاظ على التقاليد، بل وفي تنمية المجتمع على أساس التوافق واحترام السلم المدني أيضاً."
كذلك، ألقى عدد من الشخصيات الدينية كلمات بهذه المناسبة: الأسقف باولو بيزي رئيس مؤتمر الأساقفة الكاثوليك في روسيا، ايلدار علاء الدينوف نائب رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الإتحادية، مفتي موسكو، غريغوري ماتروسوف رئيس مجلس العلاقات مع العالم الإسلامي (الكنيسة الأرثوذكسية الروسية)، سيرغي ميلنيكوف رئيس الجمعية الروسية للدفاع عن الحرية الدينية، وعبد الواحد نيازوف رئيس المنتدى الإسلامي الأوروبي
وكان قد شارك في حضور هذه الفعالية عدد من ممثلي سفارات الدول الغربية والعربية، والمؤسسات الدينية والحكومية والعامة والعلماء والشخصيات الثقافية وممثلي وسائل الإعلام، من بينهم: مارك ميخيلسن سفير بلجيكا في روسيا، أيمون دي سافويا أوستا سفير فرسان مالطا في روسيا، حمد الحبسي مستشار سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة بموسكو، يزيد الرويجي ملحق سفارة المملكة العربية السعودية بموسكو، عبد العزيز العلي السكرتيرالأول لسفارة دولة قطربموسكو، كهرمان سليماني رئيس المركز الثقافي التابع للسفارة الإيرانية بموسكو. ميشيل ميستو مستشار السفير الإيطالي بموسكو، جون يوريتس السكرتير الأول للسفارة الفرنسية بموسكو، راشد راشد مستشار سفارة دولة قطر بموسكو
وفي ختام الحفل، شكر الأستاذ الدكتور ضمير محي الدينوف جميع المشاركين في هذه الفعالية الهامة على مشاركتهم وقدم لهم عرضاً عن المنشورات التي يتم العمل على إصدارها في وقت لاحق مستقبلاً في دار "المدينة" للنشر، والتي تبحث في العلاقات بين الأديان